الجميلة التي فرضت حظر التجول في سورية لسبعة أشهرعلى مدى سبعة أشهر من العام 1996، ولخمسة أيام في الأسبوع، كانت الشوارع السورية تكاد تخلو من المارة، لساعة من الزمن في فترة ما بعد الظهر.
كباراً وصغاراً، في المدن وفي الأرياف، متعلمون وأميون، الجميع كان يلتزم البيت لمتابعة مسلسل فنزويلي أقل ما يمكن ان يوصف به أنه ثرثرة مبنية على حبكة سخيفة.
ولم تكن الأحداث والبدع الإخراجية هي سبب شغف السوريين بذلك المسلسل بل كانت كوريما توريس (الحسناء بمقاييس تلك الأيام) والتي اشتهرت باسم كاساندرا.
عشق الناس كاساندرا لدرجة أنه يوجد 8200 فتاة سورية ولدن بين عامي 1996 و2000 حملن اسم كاساندرا، (بحسب بحث عن الأسماء السورية نشر 2005).
هناك نكتة يتداولها الناس في جميع المناطق دون ان يجزم أحد إن كانت حدثت حقاً أو لا، وهي تتناول في كل منطقة أهل القرية المجاورة أو الحي الملاصق وتقول أن شيخهم حين أعلن عبر الميكرفون عن وفاة أحد العجائز قال: (انتقل الى رحمة الله أخوكم فلان والدفن في مقبرة القرية بعد كاساندرا).
المسلسل انتج في فنزويلا عام 1992 ودبلج إلى اللغة العربية عام 1996 وعرض على الكثير من المحطات العربية وحقق نجاحاً مذهلاً عند عرضه على القناة السورية الأرضية وعلى تلفزيون (LBC)، وحقق نجاحاً واسعاً كذلك في ايطاليا ورومانيا وبلغاريا وصربيا واندونيسا وهنغاريا ومصر وتونس، والكثير من الدول حول العالم ودبلج إلى عدة لغات، وهو مسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكثر مسلسل من فئة (الرواية التلفزيونية) تم عرضه على الإطلاق، فقد عرض خلال السنوات الأربعة الأولى من انتاجه على 200 قناة تلفزيونية في 128 بلداً، وذلك في زمن لم تكن فيه الفضائيات قد انتشرت بعد، وكان عدد القنوات محدوداً، ومعظم دول العالم وقتها كانت تملك قناة أو اثنتين.
عبر 150 حلقة يروي المسلسل حكاية كاساندرا الفتاة الغجرية التي تنتقل مع السيرك من مكان لآخر، حتى تكتشف أنه تم استبدالها عند الولادة، وأنها الوريثة الشرعية لثروة آل آروشا، ويدور صراع الأحداث حول تلك الحبكات المكررة من انتحال أحد التوأمين لشخصية أخيه، واعتراف العجوز الشريرة بالحقيقة قبل موتها بدقائق، وبالطبع لم يخلُ الأمر من طعنات غدر يوجهها راندو، ومغامرات هروب لويس دافيد من السجن، وهذا النوع من الأحداث المشوقة.
في الأشهر التالية لعرض المسلسل تفرغت معامل الألبسة السورية لانتاج الفساتين والتنانير الغجرية الواسعة ذات الالوان الصاخبة، وامتلأت الدكاكين بحبات علكة مغلفة بورق يطبع صورة كاساندرا على المعصم، وبقطع شوكولا تحتوي بعضها على صورة لكاساندرا على أنها هدية.
قد لاتعجبنا كوريما توريس (الصورة) الآن، وقد نستغرب هوس الجيل القديم بجمالها، لكنها شئنا أم أبينا استطاعت أن تحفر لنفسها مكاناً في الذاكرة السورية، وتعطينا ـ ربما ـ فرصة لنفهم ما يمكن يثير شغف الناس.
0 تعليقات
شاركونا بآرائكم وتعليقاتكم