يمثل الاعتقاد في الجان اساس المعتقدات السحرية في المغرب على خلفية ان الجني يكون غالبا هو الرابط الخفي بين الساحر والمسحور وربما يتميز المغاربة عن غيرهم من باقي الشعوب العربية والاسلامية بما عرف لديهم من تشخيص بعض الكائنات الخفاء الشريرة او الحامية ومنحها صفات واسماء (كعيشة قنديشة مثلا).
ان «الجنون» (الجان، بالتعبير المغربي الدارج) اسم طابو عند المغاربة اي محرم النطق به علانية فذكر الجن بالاسم هو بمثابة مناداة عليهم قد ينتج عنها رد فعل انتقامي منها غير محدد العواقب ولذلك يتحدث المغاربة عن الجن بشكل ملتو وغير مباشر فيسمونهم «هدوك» اي اولئك او المسلمين او سيادنا او اللي ما عندهم سمية (اي: اولئك الذين لا اسم لهم) او موالين المكان اي: اصحاب المكان الخ.
فيما يلي اقدو لكم اصدقائي اشهر اساطير الجنيات المنتشرة في المغرب...
اسطورة عيشة قنديشة سيدة المستنقعات
من اكثر شخصيات الجان شعبية لدى المغاربة انها «عيشة مولات المرجة» (سيدة المستنقعات)
ولها من الألقاب «لالة عيشة» او«عيشة السودانية» او «عيشة الكناوية» يلجأ اليها المغاربة حتى لقبها الغريب والمخيف: «قنديشة» الذي يجر النطق به لعنة غامضة.
بالنسبة الى الانثربولوجي الفنلندي (وستر مارك) الذي درس اسطورتها بعمق يتعلق الامر باستمرار لمعتقدات تعبدية قديمة، ويربط بين هذه الجنية المهابة الجانب (عشتار) الهة الحب القديمة التي كانت مقدسة لدى شعوب البحر الابيض المتوسط من القرطاجيين والفينيقيين والكنعانيين، حيث الذين كانوا يقيمون على شرفها طقوسا للدعارة المقدسة، وربما ايضا تكون «عيشة قنديشة» هي ملكة السماء عند الساميين القدامى اعتقدوا قبلنا في انها تسكن العيون والانهار والبحار والمناطق الرطبة بشكل عام.
كيف يتمثل المغاربة هذه «الجنية المائة»؟
تارة يتم تصويرها في شكل ساحرة عجوز شمطاء وحاسدة تقضي مطلق وقتها في حبك الألاعيب لتفريق الازواج
وتارة اخرى تأخذ شبها قريبا من «بغلة الروضة» (بغلة المقبرة) فتبدو مثل امرأة فاتنة الجمال تخفي خلف ملابسها نهدين متدليين وقدمين تشبهان حوافز الماعز او الجمال او البغال (بحسب المناطق المغربية).
وكل من تقوده الصدفة في اماكن تواجدها تغريه فينقاد خلفها فاقد الادراك الى حيث مخبؤها من دون ان يستطيع المقاومة وهناك تلتهمه بلا رحمة، بعد ان يضاجعها لتطفئ نار جوعها الدائم للحم ودم البشر.
والطريف في تداول الاسطورة ان تأثيرها لا ينحصر في اوساط العامة فقد كتب عالم الاجتماع المغربي الراحل (بول باسكون) في (اساطير ومعتقدات من المغرب) يحكي كيف ان استاذا اوروبيا للفلسفة في احدى الجامعات المغربية كان يهيِّئ بحثا حول «عيشة قنديشة» قد وجد نفسه مضطرا الى حرق كل ما كتبه حولها وايقاف بحثه ثم مغادرة المغرب، بعدما تعرض لحوادث عدة غامضة ومتلاحقة.
من اناث الجن الشريرات هي الاخرى وكما يدل اسمها فإنها حسب الاسطورة «تتبع» الناس بلعنة سوء الحظ (العكس) وفي الاصل هي جنية تزحف فوق الارض الى ان تصادف امرأة تحمل رضيعا على ظهرها فتتسلق قدميها ثم ساقيها حتى تصل الى الظهر فتلتهم الصغير بوحشية.
بغلة القبور او بغلة المقبرة
«بغلة الروضة» (الروضة: المقبرة) او «بغلة القبور» او «عذابة القبور»
هي اسطورة قروية تستوطن خيال ساكني القرى المنعزلة خصوصا في اعالي الهضاب والجبال باللهجة البربرية يسمى هذا المخلوق الخرافي «تمغارت نسمدال» بمعنى «عروسة القبور» وهي في تصور العامة بغلة تخرج من المقبرة حين يجن الليل، لتبدأ ركضها المجنون الذي لن تنهيه الا مع تباشير الصباح الاولى.
وفي ظلام الليل تبدو مضيئة بفعل الشرر الهائل الذي يتطاير من عينيها وتحدث حركتها جلبة مرعبة تمزق صمت الليل الموحش فوقع حوافرها وصليل السلاسل الحديدية التي تحملها في عنقها يرعب كل من يلمحها او يصادفها في طريقه.
واذا حدث ان صادفت في تجوالها الليلي رجلا تحمله على ظهرها الى حيث مستقرها في المقبرة وهناك تحفر له قبرا لتدفنه حيا او تأكله والامر مرتبط برغبتها وشهيتها وحسب الاسطورة فإن «بغلة القبور» كانت في وقت سابق من حياتها امرأة ترملت (اصبحت ارملة) ولم تلتزم بتعاليم العرف الاجتماعي الذي يلزمها باحترام «حق الله» اي ان تلبس ثيابا بيضاء طيلة فترة العدة ولا تغادر بيت الزوجية ولا تعاشر رجلا آخر خلال ذلك.
وبسبب عدم التزامها «حق الله» انتقم منها الله فكان جزاؤها اللعنة الابدية التي حولتها الى جنية لها هيئة بغلة تنام النهار مع الموتى وتمضي الليل «تتعذب» وفي بعض المناطق كان الناس يعتقدون ان في امكان «بغلة القبور» ان تتنكر لتدخل البيوت في هيئة قريب او صديق، وتختطف احد افراد الاسرة الى مقبرتها.
جنيات قلعة شالة
تسترخي قلعة شالة العريقة على ضفاف نهر أبي الرقراق، في العاصمة المغربية الرباط… تسترخي كعروس أسطورية، تزداد جمالا كلما ازدادت عمرا. إنها تمد أطرافها في تكاسل و دلال، على ما يزيد عن ثمانية هكتارات من الأراضي الخضراء: أشجار و ظلال، و زهور و ثمار...
قطعة من جنان الأرض، تستقبل كل يوم من الزوار الأشكال و الألوان، و هي تتذكر تاريخا أغبر كان لها في يوم من الأيام...تاريخ بدأ قبل الميلاد، حين اتخذها عمالقة البحار من الفينيقيين عاصمة لهم، و دارت عجلة الزمان و تعاقب عليها ملوك و أمراء من قرطاجيين إلى رومان ثم وندال، فكانت لسكانها حصنا منيعا يعج بالفرسان، و قلعة صامدة يسمع في جنباتها صهيل الخيول.
و يمر شريط الذكريات، فتتنهد القلعة الشامخة ، و هي تتذكر سلاطين الدولة المرينية الذين أحبتهم و عشقوها، و احتضنتهم فكرموها، لقد حولوها إلى مقبرة ملكية لسلاطينهم و أمرائهم و شهدائهم...و منذ ذلك الحين، تحولت القلعة "المدينة" إلى حرم آمن، و معبد مقدس، و مزار محترم، يلجأ إليها الفقهاء و علماء الدين بحثا عن خلوة لأرواحهم، و بما أن الخلود من سماتها لا من سماتهم، فقد كثرت فيها قبور الأولياء الصالحين، و ازدادت بذلك مكانتها رفعة في قلوب المغاربة الذين أصبحوا يتوافدون عليها، و في قلوبهم موروث ثقافي شعبي، و في أيديهم شموع يتقربون بها من أولياء الله في مراقدهم.
أمراء و أميرات، و قصص و حكايات، و روايات أشبه بالخرافات، و أساطير تروى هنا و هناك... لقد تحولت القلعة إلى كنز من الأسرار، يؤمها الناس من كل مكان... فمن يائس يبحث عن خلاص، إلى عليلة تبحث عن علاج.
فماذا في القلعة من أسرار ؟ و ما قصة أسماك النون التي تحقق الأحلام ؟ و ما قصة الجنية التي تحرس كنوز سليمان ؟
حوض النون او حوض الحوريات
"حوض النون" بركة مائية صغيرة، داخل أسوار قلعة شالة العريقة، تجتذب الزوار من كل مكان، و تسبح فيها أسماك النون الصغيرة التي تشبه الأفاعي.
لقد ودعت هذه البركة أيام الماضي الغابر، حين كانت حوضا للسباحة يقصده المتطهرون قبل الوضوء، فيشاركون أسماك النون في السباحة و يؤدون معها طقوس الطهارة قبل أن يخرجوا للوضوء، لكنها و منذ مئات السنين تحولت إلى معلمة تاريخية أثرية، و بقيت فيها أسماك النون وحيدة، لا يؤنس وحدتها إلا قدوم الزائرين من كل مكان... يرمون لها فتات البيض، فتستقبلهم برقصة جماعية متناسقة و كأنها تنساب في الماء على وقع موسيقى صامتة.
و في قاع الحوض تتلألأ قطع نقدية معدنية يرميها الباحثون عن تحقيق أحلامهم، و تتلوى السمكات الصغيرات و تضرب الماء بأذنابها فيما يخيل للرائي أنه تعبير منها عن الشكر و البهجة و وعد بتحقيق الأحلام.
تقول فرحة السعدية التي آلت إليها مسؤولية الإشراف عن الحوض بالوراثة بعد وفاة زوجها:" هذه المياه مباركة، و رمي النقود(مع النية) يحقق الأماني مهما كانت بعيدة المنال" إنها امرأة تجاوزت الستين من عمرها، تجلس بجوار الحوض ، و قد استقر إلى جانبها لوح خشبي اصطفت فوقه بعض الشموع و أعواد الثقاب و البيض المسلوق...إنها سلع للبيع و هي تجارة رائجة في هذا المكان ، تسهل للزائر أداء طقوس تعود الناس عليها، فإشعال الشموع عرف متداول للتقرب من الأولياء و الصالحين و الجان أيضا، أما البيض فهو لإطعام أسماك النون التي تقول السعدية أنها "ستموت إن لم يطعمها الناس".
أما الدليل السياحي أحمد عوراس فهو يعتقد أن رمي النقود في الحوض بغية تحقيق الأحلام ليس إلا خرافة إذ" يتمسك الناس هنا بأية وسيلة يمكن أن تحقق أمنياتهم...و النقود التي يرمي بها الزوار داخل الحوض يتقاسمها العاملون هنا"و عن البركة التي تحدثت عنها فرحة يقول:"كل ما يقال هو مجرد خرافات من صنع الناس، إنهم يختلقون القصص و يصدقونها".
هذه المياه المباركة، التي تحدثت عنها فرحة لازال في جعبتها قصص أخرى تروى، إذ تتسلل هذه المياه عبر جدول صغير خلف "حوض النون" إلى ركن نستطيع أن نسميه ركن العاقرات، و هو عبارة عن ساحة صغيرة تفننت الطبيعة في إخفائها عن عيون المتلصصين، تحيط بها أشجار كثيفة متلاحمة، تستر ما وراءها من أجساد أنثوية تدخلها لأداء طقوس خاصة بالنساء...نساء حائرات يتوافدن على مدار العام إلى قلعة شالة على أمل الإنجاب بعد أن سدت في وجوههن سبل الطب و العلم...
أليس هذا الماء مباركا كما تقول فرحة ؟ سحر الأسطورة و هيمنة الخرافة و عجز العاقر ، كل ذلك يدفع المرأة إلى تجربة الاغتسال في قلعة شالة ، بمياه يمنحها الموروث الثقافي قدرة خارقة ، و قوة تجعل المستحيل ممكنا.
يقول السيد أحمد عوراس:" تتوافد النساء العاقرات على زيارة هذا الحوض ،فيغتسلن بمياه العين، و يشعلن الشموع اعتقادا منهن أن هذه الطقوس تقيهن من العقم" لكن هذا الجامعي يعترض على تلك الخرافات و يعزوها إلى الإرث الثقافي المترسخ في عقول المغاربة ، و مع ذلك يعترف بأن معظم النساء المتوافدات للعلاج من العقم يشفين بقدرة قادر،و ينجبن إناثا و ذكورا، و هو يعزو ذلك إلى أسباب نفسية:"معظم هؤلاء النسوة يعشن في ظروف حياتية سيئة، و في حالة نفسية أسوأ، و الاغتسال بماء(فيه البركة) يمنحهن الطمأنينة ،و الأهم من هذا الاقتناع التام بالشفاء المحقق".
كانت المرأة العاقر سابقا تعتكف وراء أسوار شالة لمدة أسبوع أو عشرة أيام و تغتسل كل يوم بماء الحوض، لكن هذه الظاهرة انحسرت في السنوات الأخيرة بعد أن قام المسؤولون بتنظيم أمور الدخول و الخروج و فرض رسوم على الزائرين طيلة أيام الأسبوع ، ما عدا يوم الجمعة الذي بقي فيه الدخول مجانيا...و لازال الزائر حتى الآن يرى النساء متوجهات إلى الركن المسور بالأشجار من أجل الاغتسال.
جنية قلعة شالة -حوض الجنيات او الحوريات-
ليس هذا كل ما يزخر به حوض النون، فما خفي كان أعظم.
الحوض الذي تسبح فيه الآن سمكات النون بسلام و يتوافد لزيارته مئات الناس كل أسبوع، هو حوض "مسكون"، إذ تحدثنا الأسطورة أن هذه الأسماك التي نراها ليست إلا مجرد تمثلات لجنيات داخل الحوض و أن لهذه الجنيات ملكة عظيمة تحرس كنوز سليمان، لكنها لا تظهر للعامة.
تقول فرحة:"كان زوجي يقضي معظم وقته قرب الحوض و قد شاهد الجنية الملكة أكثر من مرة"...جنية الحوض هذه لا تختلف حسب الأسطورة عن بقية السمكات الجنيات، إلا في ضخامة حجمها و في قرطين ذهبيين يتدليان من جانبي رأسها، لكن فرحة تعترض " قال زوجي الذي رآها أنها تضع قرطا ذهبيا واحدا في أذنها"و رغم أنها تنفي رؤيتها لجنية الحوض إلا أنها مقتنعة بأن زوجها "كان يشاهد الجان في أشكال مختلفة كالقطط و القنافذ".
لا يرى الدليل أحمد عوراس في القلعة أي شيء مخيف" حتى أنني عندما بدأت عملي كمرشد سياحي، أردت معرفة سر قلعة شالة، فكنت آتي مرارا في الليل وحيدا و أتجول في أرجائها...لم أر لا وحشا و لا جنا، صحيح أن الأصوات في الليل تكون مرعبة، لكننا يمكن أن نرجع مصدرها إلى حفيف الأشجار و أصوات الحيوانات الصغيرة و وحشة المكان" أما عن أسماك النون الجنيات فيضحك قائلا:"هذه الأسماك يتم إحضارها من نهر أبي الرقراق القريب و رميها في الحوض كي يستمتع الزوار بمنظرها".
لكن محمد الجطاري الأستاذ الباحث المتخصص في المباني التاريخية و المواقع الأثرية و ترميم الآثار يعارض رأي الدليل السياحي أحمد عوراس، إذ يقول إن أسماك النون كانت موجودة في الحوض منذ ظهوره، و أنها يمكن أن تتسرب إليه عن طريق وادي أبي الرقراق القريب، كما أنه يعترض بشدة:"الأسماك لا ترمى في الحوض للزينة !"
و عن ارتباط أسماك النون بالأسطورة يقول:"ربما يكون شكلها الذي يشبه الأفاعي سببا في تخوف الناس منها و ربطها بالخرافة " و يضيف:"علينا أن نعلم أن سمك النون لا يهرب عندما يغتسل الناس في الحوض، لأنه بكل بساطة قد ألفهم...و قد يكون هذا ما أضفى عليه طابع الجنيات
تقول الأسطورة إنه عند هبوط الظلام، تخرج جنية الحوض من مخبئها في جلال و مهابة، و تتبعها بقية الجنيات اللواتي يتمظهرن على شكل سمكات تطير و تحوم في سماء قلعة شالة ، و يقال إن أعدادها كبيرة جدا ، و إنها تشبه أسراب النحل...صحيح أن السيدة المقيمة قرب الحوض لم تر جنية القلعة لكنها تؤكد أن القلعة كلها "مملوكة" أي ملك للجان.
و لازال وراء أسوار القلعة ألف حكاية و حكاية...و لازال الناس يتوجهون إليها ،كل لقضاء غرضه...و يبقى السؤال مطروحا حول أصل الأسطورة...حول جنية الحوض حارسة كنوز سليمان و حول الماء المبارك الذي يمسح دموع البائسات و أحلامهن.
ملوك الجان السبعة وطقوسهم
يحتل الجان مكانة رئيسية في عالم السحر والسحرة،و يقودنا مجرى الحديث بالضرورة الى طرق موضوع ملوك الجان، الذين يلعبون حتى وقتنا الراهن ـ دورا اساسيا في المعتقدات والممارسات السحرية بالمغرب، حيث اقيمت لبعضهم اضرحة ومزارات يتبرك منها الناس وتقام فيها طقوس غريبة تمزج السحري مع الديني كما تدخل اسماء اولئك «الملوك» في اعداد جداول سحرية شديدة المفعول وتقام على شرفهم حفلات طقوسية خاصة في مناسبات محددة تتضمنها يومية السحرة المحترفين.
ملوك الخفاء ملوك الجان في التراث السحري المتداول، الشفوي والمكتوب هم موضوع خلاف آخر تضاربت في شأنه الآراء والاتجاهات فمرة نجدهم خمسة بأسماء آدمية مذكرة واخرى مؤنثة ومرة ستة او اربعة واربعون تنقص اسماؤهم او تزيد بحسب السحرة او المناطق المغربية.
ولكن الرقم سبعة ذي الخصائص السحرية الشهيرة هو الذي يعود بكثرة، ويحصر ملوك الجان في...
المذهب
مرة الاحمر
لالة ميرة
برقان
شمهورش
الابيض
ميمون
وفيما عدا اسمي شمهورش ومرة الغريبين عن النطق المغربي العربي والامازيغي فإن الاسماء الخمسة الاخرى معروفة ومتداولة في المجتمع المغربي بكثرة كأسماء لافراد.
وقد عرف اسم ملك الجان (مرة) تحريفا متواليا طال حتى جنسه الذي تحول حسب الاسطورة من الذكورة الى الانوثة, فحسب البوني في مصنفه منبع اصول الحكمة فإن اسمه كان هو الحارث بن مرة لكننا نجده تحول الى (مراته) ان (لاله) لفظ تشريف يسبق عادة اسماء النسوة ذوات النسب الشريف.
وحسب المعتقد فإن (لالة ميرة) تنال في توزيع الادوار بين ملوك الجان السبعة بركة استقراء مكنون النفس البشرية الغامضة وكل ما يرتبط بعالم الغيب ولذلك تقام لتلك الملكة المهابة الذكر حفلات خاصة كي تحضر وتدخل في جسد وتسرع في كشف اسرار النسوة المحيطات بها.
اما شمهورش الذي تطلق عليه العامة اسم شمهاروش او سيدي شمهاروش الطيار فشهرته تتجاوز حدود المغرب الى الشمال الافريقي وربما مصدرها ـ اضافة الى غرابة الاسم ـ كونه الوحيد من الملوك السبعة الذي خصص له مقام مقدس معروف. ويعتقد الناس في جنوب المغرب (سوس) انه هو الذي يخرج من منابعها كل الانهار والاودية التي تخترق بلادهم وهو الذي يقود مجاري المياه العذبة في تلك المناطق شبه القاحلة، لتروي الأرض والبشر والدواب,,. العامة واعتبارا للمكانة المهمة التي يحظى بها لدى العامة فقد اقيم لهذا الجني الملك مزار عند قدم جبل توبقال في الاطلس الكبير، الذي يعتبر اعلى قمة جبلية بالمغرب,,, هل هو مكر المصادفة ام تراه نداء الأعالي، ما جعل (سيدي شمهاروش) ينسحب نحو تلك المغارة المحاطة بنقط تجمع مياه الثلوج والامطار والجبال المتوحشة. وحسب الاسطورة فإنه انسحب الى حيث ضريحه الآن ليمضي هناك القرون الاخيرة من عمره الطويل. وينبني تقدير الطيب الفرنسي على تصريحات الفقهاء السحرة الذين اخبروه (في 1910) ان الطلاسم والجداول التي تتضمن اسم شمهاروش فقدت مفعولها السحري، وانهم حين سألوا عن سبب ذلك بعض الجن، اخبروهم بأن الملك اي شمهاروش قد مات منذ سنوات. وقد كان سكان الجبل والهضاب القريبة من ضريح سيدي شمهاروش يجتمعون حول المغارة خلال مواسم القيظ (السمايم) كل عام خلال الفترة المراوحة بين اواخر يوليو واواخر غشت ليقيموا له موسما تذبح خلاله ثيران سوداء اللون (رمز الفحولة والقوة) ولكن العادة جرت ان يغادروا مسرعين مكان التئام الموسم كل يوم وقت حلول صلاة العصر الى مكان بعيد عن المغارة, وكل من بقي هناك سوف ينال من غضب خدام الملك انتقاما شديدا، حيث تتهاطل عليه سحب الغبار والحجارة من دون ان يرى مصدرها. فكل يوم في اوان العصر، يصبح الجبل كله ملكا للجان المقيمين على خدمة ملكهم المتوفى سيدي شمهاروش.
تذهب مصنفات التراث السحري المكتوب الى ان لكل واحد من ملوك الجن ابناء واتباعا يقطنون في اماكن محددة وهكذا فللملك الابيض (ميمون الابيض) بنت اسمها (شمس القراميد) ويقطن ابناء الملك الاحمر المياه السطحية.
اما (بنو قماقم) فيسكنون الجبال العالية وعيون الماء الباطنية وهكذا، وفي زعم السحرة ان لكل واحد من ملوك الجان السبعة لونا خاصا يتوسل اليه به فبالنسبة لميمون (الكناوي) لونه الاسود والاصفر لميرة الخ، ولذلك ترفع الرايات وتلتحف الاجسام بأثواب من لون واحد هو لون الملك المراد دعوته او التشفع بسلطته على ممالك الجن اثناء حفلات خاصة.
كما يقتسم ملوك الجن ايام الاسبوع، لكل واحد منهم سلطة على يوم محدد ففي زعم كتب السحر دائما ان يوم الاثنين يقع تحت سلطة (ميرة) والثلاثاء تحت سلطة الاحمر بينما الاربعاء يحكم برقان والخميس تحت سلطة شمهروش واما الجمعة والسبت والاحد فعلى التوالي تحت سلطة الابيض وميمون الكناوي والمذهب ويوضح جدول دعوة الشمس المستعمل على نطاق واسع في صنع جداول اخرى انطلاقا من مكوناته السحرية الاساسية تقسيمات اخرى تمنح لكل واحد من ملوك الجن السبعة سلطة على كوكب او حرف من الحروف الابجدية الخ
ومن تجليات الاعتقاد واسع الانتشار في قداسة ملوك الجن ان الكثير من الاغاني الشعبية تردد بعض اسمائها مسبوقة بعبارات التقديس للأميرة او سيدي ميمون الكناوي في اغاني بعض المجموعات مثلا. كما تنظم حفلات مغلقة على شرفهم، توسلا لمساعدتهم في قضاء اغراض اجتماعية او طلبا للشفاء من مرض استعصى على العلاج.
الحضرة او الجذبة
او الزار في كل مدن مغرب اليوم يوجد اتباع طائفة (كناوة) التي يسميها رجال الدين المتشددون طائفة الشيطان والسبب في اطلاق هذه التسمية المخيفة هو ما يلاحظ على كناوة من ممارسة طقوس (الدردبة) او (الحضرة) التي هي حفلة على شرف ملوك الجان، وخصوصا منهم (سيدي ميمون الكناوي) الذي هو المشرف الروحي على الطائفة.
و«الحضرة» هي احتفال طقوسي يشبه حفلات الزار في مصر، يجري تنظيمها في مواعيد سنوية محددة كعيد المولد النبوي وليلة القدر او خلال شهر شعبان كما يمكن ان تنظم خارج تلك المواعيد بطلب من ميسوري الحال او بأمر من (عريفة) وهي المرأة التي تتوافر لها سلطة التوسط لدى الجن.
وتقام الحضرة داخل فضاء مغلق وحميمي، من اجل تخليص المرضى الممسوكين بالجن، الذي تسبب لهم بهذا الشكل او ذاك في متاعب صحية او اجتماعية.
«الحضرة» ليست بهذا المعنى حفلا لصرع الجن، لأن «الصريع» يتميز بالتعامل العنيف مع المرضى (ومن خلالهم مع الجن) بينما الحضرة هي طقوس احتفالية اشبه ما تكون بعرس صغير يقام على شرف الجن و«سادتهم» وتكون خلالها (العريفة) العرافة هي نجم الحفل وسيدته.
وتتم برمجة طقوس الحضرة وفق تسلسل منظم يسري على بضعة ايام او يوم واحد حسب الحالات و«الحضرة» تمارس في المغرب خلال بعض المناسبات الدينية كعيد المولد وشعبان (في هذه الحالة تسمى «شعبانة» وتتم وفق النموذج التالي:
اليوم الاول
تلبس (العريفة) (وهي منظمة الحفل) ثوبا ابيض و«تنقش» يديها بالحناء وتجلس وسط الحفل ومن حولها تدق الطبول وتنشد الامداح النبوية وشيئا فشيئا يرتفع ايقاع الرقص الى ان يفقد الحشد البشري زمام التحكم في النفس وعند نهاية الحفل تنفس الحاضرات عن رغباتهن المكبوتة عبر شحنات «الجذبة».
حين يعود الهدوء يتم ذبح دجاجة فوق رأس العرافة التي تشرب من الدم الحار المنساب عليها ثم تمسح فمها بمنديل ابيض لم يستعمل قط من قبل.
اليوم الثاني
من «الحضرة» يتم ذبح عنزة سوداء اللون (القوة السحرية للون الاسود) وترتدي العرافة ثوبا بلون اصفر (الاصفر هو لون «ميرة» كما رأينا) ويهتز الحاضرون على وقع دق الطبول والاناشيد الصادحة في ترديد موحد: (اللاميرة هاك الجاوي، هاك البخور) ثم توزع في اثر ذلك اكلة خاصة بالمناسبة تسمى (الحلو والمسوس) وهي وجبة دجاج مهيئة بتوابل خاصة ومن دون ملح لأن الجان الذي سيأكل» منها لا يحب الملح يتناول جميع المحتفلين حصتهم من الحلو والمسوس وتدهن الحاضرات به اجسامهن كما ترش اركان البيت الذي تقام به «الحضرة» بهذا الاكل «اطعاما» للجن منه بالمجان بينما يضع كل من تناول حصته ممن بين الحاضرين مقابلا ماليا في اناء خاص يطاف به عليهم.
اليوم الثالث
من «الحضرة» تلبس العرافة (وهي عروس الحفل) ثوبا احمر (وهو اللون الخاص بملك الجن الاحمر) ويوزع على الحضور القليل من الحليب والتمر والجوز في مقابل مقادير مالية (دائما) يضعها كل واحدة فوق اناء خاص ثم يردد الجميع بعد ان يشتد هيجان الحشد اناشيد على شرف (مول الاحمر سدي حمر).
اليوم الرابع والاخير
يخصص لـ «حلان المائدة» (فتح المائدة) وليس يعني فتح المائدة سوى تقديم الاتعاب للعرافة في شكل اموال وهدايا يقدمها لها المشاركون في الحفل شكرا وعرفانا.
والذي سبق له ان عاش اجواء ليلة من ليالي الحضرة كان شاهدا من دون شك على حالات فقدان الشعور الهذياني التي تتملك بعض النسوة في غمرة الرقص المحموم فيسقطن والشعر منسدل يكنس الارض وهن يتمرغن في هذيان يجري تأويله من قبل العرافة بأن الجن يقاوم الخروج, وتأمر اهل «المجذوبة» بعدم الاقتراب منها تجنبا للأذى ومن دون شك فإن للإيقاعات الطبلية المضبوطة دورا اكيدا في اطلاق القيود النفسية التي تكبل النساء فيندفعن نحو حلبة الرقص المجنون الى حين إفراغ آخر شحناتهن العصبية ثم ينهرن.
من الممارسات الجسدية التي تمزج بين طاعة الجسد وطاعة الجن : الزار .
ونحن نميل لاعتباره طقساً جنسياً وجنياً وجسدياً لكونه مزيجاً من هذه الثـلاثة مجتمعة ، فالتركيز فيه على الملابس والألوان والرقص يكشف بوضوح عن بعده الجنسي ، واستخدامه ستاراً لممارسات محرمة يؤكد هذا ، فضلاً عن أن كثيرين ممن ينظرون إليه من ناحية نفسية يعتبرونه تنفيساً بدنياً عن كبتٍ أو معـاناة جنسية بدنية تتفجر بحـرية من خلال الرقص العنيف الصاخب والحركات المبالغ فيها .
ولست بدعاً في ذلك فهناك " من الدارسين من يؤكد أنه ذو دلالة جنسية ، ويذهبون في ذلك مذهبـاً بعيداً ".
وهو على كل حال أدل الطقوس الاعتقادية على بدائية الفن الشعبي ، فهو مجرد رقصات همجية تذكرنا بما نقرؤه عن رقصات الجماعات البدائية المتأخرة استدراراً للخير أو دفعاً للحيوان الباطش أو الظلام المخيف .
ولتتأكد من الروح الشركية عالية النبرة الموجودة بطقس الزار اقرأ هذه الصيغة الشركية :
يا بنت ماما يا أم الغلام
يامُ الغلام والعفو منك
يامُ الغلام واشفي عّيانك
يامُ الغلام والطبل طبلك
يامُ الغلام والدبح دبحك
يام الغلام والكل عندك
يام الغلام والليلة ليلتك
وقد اعتبره المصلحون الاجتماعيون من الأمراض الخطيرة التي تقوض دعـائم المجتمع ، ونُشرت مقـالات وكتب عن مضار الزار ، وكانت النظرة الإصلاحية في ذلك الوقت ترى أن أضرار الزار تكمن في أمرين :
أولهما: السفه في إنفاق المال بغير طائل إرضاءً لطائفة من صاحبات الدجل والشعوذة .
وثانيهما: ما لوحظ في بعض الأحوال من استخدام حفـلات الزار بطريقة سرية لأعمال منافية للآداب، حتى إن بعض هذه الحفلات كانت تقام فقط من أجل التهتك والعربدة .
وسبب ثالث: أهم من هذين لم يذكره " المصلحون الاجتماعيون " !!
وهو السبب الديني العقيـدي ، الذي يقضي بوضوح وحسم على كل مظهر من مظـاهر عبادة الجن أو الدينونة لغير الله تعالى ، واعتقاد أن مخلوقاً ما يتصرف في أقدار الناس وعقولهم وقلوبهم .
وقد دخل طقس الـزار إلى كل بلاد المسلمين بلا استثناء - فيما وجدت - حتى إنه دخـل الجزيرة العربية واستقر بها ، فهو منتشر في مصر والسودان والمغرب العربي والعراق والخليج والسعودية ، فضلاً عن وجوده في الحبشة - التي تعد مهده الأول - وبين زنوج افريقيا ، بل وفي أووربا ، مع فروق بين كل بلد ..
يقول فهد الطياش :
إن ارتباط أغاني السامري برفقة الزار حديث عهد بالجزيرة العربية بعد انتشار الجهل ، كما أن مفهوم الزار غريب ومنافٍ لروح العقيدة ، وفكرة أن الأرواح المؤمنة أو الجن المؤمنين يسيطرون على أفراد من الإنـس شبيهة بما يعتقده الزنوج النصارى من المعمدانيين Paptist خاصة حلال طقوس الكنيسة .
ومن خلال ملاحظتي - يقول فهد الطياش - لما يقدم من تلك الطقوس الدينية خاصة في منطقة ديترويت - نرى أن هؤلاء الناس يقومون بمثل ما يقوم به راقص الزار في الجزيرة العربية (!!) ولكن الاختلاف في مصدر الإثارة والنشوة ، ففي الطقوس الكنسية نرى أن مصدر الإثارة هو الإلقاء الدرامي أو غناء الكورال الذين يؤدون التراتيل . أما في قصة الزار فنرى أن مصدر الإثارة هو موسيقى السامري وغناؤه .
الأداء يبدأ في الكنيسة عادة بترتيل بسيط ، ومن ثم يتصاعد في الحدة والإثارة إلى حـد درامي يثير لدى الشخص النشوة ، والإحساس بأن قدرة علوية تسيطر عليه ، بينما نرى في رقصة الزار أن الحافظ يردد قصيدة معينة، يردده خلفه المغنون ، وفي كلتا الحالتين فإن مؤثراً حسياً يؤثر في أشخاص بأعيانهم ، وتختلف التفسيرات: ففي الكنيسة يقال إن سبب الإثارة هو سيطرة روح القدس على الشخص ، بينما في الزار يقال إن الجني سيطر عليه .
وأما عن الزار كطقوس وممارسات فتقول دائرة المعارف الإسلامية : إن كلمة زار مشتقة من جار DJARكبير آلهة الكوشيين الذي يتغير اسمه لدى بعض الطوائف إلى يارو YARO أو دارو DARO، وظهر منه في إطار المسيحية الحبشية اسم روح شريرة هو زار ZAR الذي استعـاره المسيحيون الأحباش من بعض القبائل الوثنية .
وينقسم الأسياد في الزار إلى مجموعات مختلفة منها :
المجموعة الإقليمية : وتضم الأرواح السودانية والحبشية ، والصعيدية ، والعربية والمغربية والجبلاوي .
المجموعة القبطية : وتضم علياً ، والحسين ، وفاطمة ، ونفيسة ، وسكينة ، وأبا بكر - رضي الله عنهم - كما تضم مشاهير الأولياء كالبدوي ، والدسوقي ، والرفاعي ، والبيومي ، والقطب المتولي ، وأبي العـلا ، والشافعي، والليث .
الطوائف المهنية : ومنهم الياوري بك ، وسلطان اللواء ، والعسكري ، والضابط ، والحكيمباشا .
ومجموعة مستقلة : لا تندرج تحت التقسيمات السـابقة ، ومنها سلطان روم نجدي ، وسلطـان رينا ، والولاّج ، وسلطان مامة .
ولكل سيد من الأسياد جنس وجنسية وأغانٍ ملائمة وملابس خاصة تلبس له عند اللزوم ، فإذا كان عربياً لبست المرأة في الزار لبساً عربياً ، ورقصت رقصـة عربية ، وغنت لها جوقة الزار غناءً بلهجة عربية ، وإذا حضر الشيخ - الجني - على لسـان الست تكلم بلهجة عربية ، ونظر ذلك إذا كان مغربياً أو سودانياً أو حبشياً .
وتسمى شيخة الزار " الكدية " - وكلمة كدية عربية فصيحة معناها التسول ، وأهل الكدية طائفة كانوا يستجدون ويحتالون في ذلك ، وعندهم دهاء في ابتزاز الأموال .
ومثلهم موجود في الآداب الأوروبية ) SAVAGE ) ولا يبـعد أن يكون فريق منهم امتهن إقامة حفلات الزار منذ أمدٍ بعيد فصارت رئيسة الزار تسمى الكدية .
تقوم الكدية بوضع كرسي في وسط المجلس ، تجلس عليه صاحبة المنزل التي نصب لها الزار ، وتحضر فرختين وديكاً ، وتربط أرجلها ، ثم تضع الديك على رأسـها ، والفرختين على أكتافها ، ثم تتلو نصوصاً معهودة ، وتنشد أناشيد بينما الحاضرات يقلن : دستور يا سيـادي ، مدد يا أهل الله يا سيادي ، وتوقع الكدية ومن معها على الدفوف بنغمات مختلفة متسارعة .
ولقد أشار بعض الدارسين إلى ارتباط طقوس الزار بالألوان ، خاصة في الملابس التي تختلف باختلاف ملوك الجان الذين يراد استرضاؤهم ، كما أشاروا إلى أن الاعتقـاد بالألوان مرتبط بالاعتقـادات الشعبـية في الكواكب وتأثيرها على حيـاة الإنسان وطبائعه ، مثل الاعتقاد في المريخ وأن ألوانه في الثياب هي الأحمر والأصفر ، أما الزهرة فألوانه التي تكون في الثياب هي الأخضر والأبيض ، ويمتد هذا الاعتقاد فيشمل الأيام الخاصة بهذه الكواكب مما يمكن رده إلى العبادات البابلية والكلدانية القديمة. فيوم الثلاثاء هو يوم المريخ بينما يوم الجمعة هو يوم الزهرة، وكلمة FRIDAY في الإنجليزية جاءت عن طريق الشعوب الشمالية وتعني يوم الإلهة FRIG زوجة أدون كبير آلهة الإغريق والسبت يوم زحل SATURDAY والأحد يوم الشمس SUNDAY والاثنين يوم القمر MONDAY .. الخ.
ويتم في الزار طقس آخر هو تبادل الملابس لإعطاء تأثير سحري، فحين يتبادل الرجال ملابس النساء والعكس فإنهم يقصدون بذلك مخادعة الروح الشريرة ، كما أن تبادل الملابس يستخدم أيضاً لمقاومة السحر ورده .
ومن طلبات الكودية يسخر بيرم التونسي في زجل له، فيقول متحدثاً عن امرأة تبتغي السمنة وقد أظهر الأثر " الأطر " المطلوب منها :
طلع لها جوز تيوس من غير إشارة سود
وعجل أبيض يكون تحت السما مولود
وست وزات وفرخة عرقها مفرود
وديك عشاري عريض السدر والمنقار
وفي النهاية أقول : إن هذا الطقس ليس نادراً بل هو منتشر انتشاراً واسعاً ، وقد بدأت جلسات الزار تعلّب في أشرطة كاسيت ، وتوزع لتستخدمها النسوة على نطاق واسع كما لاحظت في البيئات الريفية المصرية .
وقد وجد الدكتور عبد الرحمن عيسوي في استبانة أجراها على عينة من اللبنانيين والمصريين أن 20 من العينة المصرية التي لاحظها كانت تؤمن بأثر الزار في علاج الأمراض المستعصية في حين كان 15 من العينة اللبنانية مؤمناً بذلك .
وقد درس كثير من المستشرقين _ منذ قرنين أو يزيد _ هذا الطقس فيمـا درسوه من عوائد شعوبنا لتكون دراساتهم وسيلة فتاكة للانتشار بيننا كالسوس ، وممن درسوا الـزار إدوارد لين وكريس وسيمون مسنج جون كندي وهاري فاخوري وغيرهم … فتأمل .
ومن الطقوس الداخلة في موضوعنا والتي تمارس في الجزائر ما يسمى بالوعدة والنشرة ، وتشبهان - إلى حد كبير - الزار في مصر ، أو ربما كانت الزار المصري لكن على الطريقة الجزائرية ، ففيهما الرقص والثيـاب المميزة والغيبوبة الانتشائية بالموسيقى والارتباط بالجن ، لكن ربما افترقنا عن الزار بطول مدة الممارسة التي قد تستمر اسبوعاً ، وببعض الملامح المحلية في الجن.
يثير الدم في النفس البشرية مشاعر غامضة، تتأرجح بين الخوف والتقديس، فسهولة انسيابه، حرارته لونه الاحمر القاني ورائحته المتميزة، جميعها خصائص تثير بعنف خيال الناس قليلي المعرفة, ان الدم هو طابو بالنسبة للمغاربة، اذ يحرمون تناوله في الأكل او شربه، ويحذرون ان يطأوا بقعة دم منتشرة على الارض, بل انهم يتجنبون مجرد الاقتراب من اماكن تواجد الدم لاعتقادهم في ان الجن يتردد عليها وبسبب كل ذلك وغيره يحظى الدم في اعقتادهم بخصائص سحرية تجعل منه احد العناصر المهمة في وصفات السحر سواء اكان دم بشر او حيوان.
فبالنسبة للسحر بالدم البشري يحفل التراث السحري بالكثير من الوصفات التي تستعمل في الغالب اما دم الشخص نفســه المســتفيد من العــملية السحرية وصفات سحر الحب (او دم المــوتى او دم الحبيب او الغريم) وسنكتفي من كل ذلك بنموذج واحد شــائع حــيكت حوله الكثير من المعــتقدات هو «دم المــغدور».
دم المغدور
يعتبر دم كل شخص فارق الحياة في حادث قتل عنيف دما سحريا يستعمل في وصــفات الحاق الاذى بالآخر.
(هذا يحصل فعلا...وانا اتذكر ايام طفولتي...تفاصيل حادث مروع ادى الى وفاة عشرات الاشخاص...وكانت مجموعة من النسوة يتهافتن باوانيهن على جمع دم الضحايا بل ويقمن بتبليل قطع من النسيج بالدم المسكوب على الارض...!!!)
وتتهم العجائز في شكل خاص باقتناص فرص الارتباك الذي يحصل بعد وقوع حــوادث الســير المميتة لأخذ قليل من الدم المتناثر على الاسفلت في قطعة ثوب او في ذيول الجلباب.
وحسب افادات بعض المصادر الشفوية فإن هذا الدم السحري كفيل بإحداث اضطرابات صحية خطيرة للأطفال الرضع الذين لم تظهر اسنــانهم بعد.
كما يستعمل من قــبل المــرأة التي تريد الانتقام من زوجها حيث يؤدي بالرجل الى فقدانه لقواه العقلية حيث سمــعنا قولا يردده بائع اعــشاب ومستحضرات سحرية يــنادي على الزبــائن في جوار ضريح ولي قائلا
«هنا دواء دم المغدور ديري ليــه دم المغــدور باش تحمقيه وتــخليه يدور»
ومعناها...
هنا دواء دم المغدور...استعملي له دم المغدور...كي تثيري جنونه...وتخليه يلف ويدور...!!!
وهو ما يعكس مدى اعتــقاد العــامة في القــدرات العجيبة لهذا الدم اما بالنسبة للــطفل الرضــيع فإن الامهات يحرصن على إبــقاء اطفــالهن الــرضع بعــيدا عن النــساء اللــواتي لا يثــقن في نــواياهــن, وحسب ما هو شــائع، فإن مجرد دخول شخص يحمل وســط ملابــسه «دم المغدور».
والتقاط حاسة «الشم» لدى الرضيع الذي يكون حساسا خلال تلك السن المبكرة للأصوات والروائح، يكــون كافــيا لإصابة الرضيع باضــطرابات صحية قد ينجم عنها عدم التئام عظام جمجمته وتسمى هذه العــملية «الشم».
ولأن الشيء يحدث الاثر كما يحدث نقيضه بحسب الظروف فإن دما آخر تمنحه معتــقداتنا خصائص سحرية مباركة يبــطل المفــعول المــؤذي لدم المغدور، وهو دم اضحية العيد المعروفة في هذا الصدد نذكر: عندما يبلغ الرضيع اربعين يوما تقص خصلة من شعر قفاه يضاف اليها قليل من الكبريت ودم اضحية العيد المجفف ثم تخفى في حجاب يعـلق في عـنق الطفل.
يؤخذ دم اأضحية العيد مع الزعفر
0 تعليقات
شاركونا بآرائكم وتعليقاتكم