يقول صاحب القصة ..
كنت طفلاً في السابعة من العمر عندما سمعت عن طلاق عمتي و مجيئها للإقامة في بيتنا .. توقعت أن أرى إنسانة حزينة من ردود أفعال أمي لكن المفاجأة أن عمتي كانت مبتسمة ..
عندما كبرت عرفت أن زوجها طلقها لعدم إنجابها و أنها مصابة بضمور في الرحم .. رحمها رحم طفلة .. لكن عمتي
لم تكن ناقمة حتى عليه !..
كانت تقول في ثقة .. الحق معه .. هو محتاج للخلفة ..
أمي كانت تصاب بأرتفاع الضغط لأن عمتي ليست ناقمة على زوجها الذي طلقها .. لكن عمتي كانت تقول جملة غريبة ( الرفق جوهرة ) .. لم أكن أفهمها لكني مع الوقت فهمت ..
عمتي إنسانة رفيقة تربت أن التماس الأعذار والرفق بالآخرين هو أهم شيء !..
كانت تعاون أمي في تربيتنا .. تحكي القصص و تساعد في الرعاية بلا أي عصبية .. و عندما كانت أمي تجري ورائي لتضربني كانت عمتي تقول .. هذا سندك حد يضرب سنده ؟..
فتتراجع أمي .. طالما أحببت عمتي رغم أنها من ناحية الشكل ليست بالجميلة .. و المدهش أن زوجها بقي يتواصل و يريد إعادتها إلى عصمته و كان قد أنجب من زوجة أخرى .. لكنها اعتذرت !..
سمعته يقول لها .. أريدك أن تربي أبنائي لكنها ردت عليه .. الله يوفقك ..
أمي الغالية كانت عصبية و عمتي كانت هادئة .. أصاب أمي مرض احتاجت معه إلى ملازمة المستشفى و عمتي قامت برعايتنا اثناء غيابها .. عمتي كانت تقول دائماً هذه العبارة ..
الرفق جوهرة ..
و فهمت انها تعني الهدوء .. لا تضرب و لا تنفعل و لا تعادي
و كانت تقول أن الإنسان أحوج مخلوق إلى الرفق ..
و لا أنسى عندما كادت احدى أشجار حديقتنا ان تموت فعطفت عمتي عليها و اهتمت بها حتى عادت إلى النمو ..
عمتي هي التي علمتني الصلاة ..
قلت لها .. أ ليس ربنا عظيم ...
طيب لماذا يحتاج منا الصلاة بماذا ستنفعه ؟..
قالت بهدوء .. الذي يتصل بملك الملوك ... هو الذي يستفيد أم الملك يا صغيري ؟.. نحن نصلي من اجلنا ..نحن نحتاجها !..
أخي كان عالي الصوت و كانت تقول له .. دوماً أحب صوتك الرائع المنخفض و كان يندهش ثم فجأة بدأ يخفضه !..
عادت أمي من المستشفى لتجدني أصلي و أخي قد كف عن ارتفاع الصوت ..
رأيت مرة عمتي تتأمل صورة زفافها .. سألتها إنتِ زعلانة لإنك لم تنجبي ؟..
قالت .. هي الخلفة بيد من ؟
قلت .. بيد الله !
قالت في يقين .. الله لا يريد بي إلا خيرا أنا لست منزعجه..
بصراحة كنت أشعر في بعض الأحيان إنها مفتقدة لزوجها .. لكنها ليست راضية بالرجوع إليه رغم آلحاحه عليها بالعودة إليه .. لا أنسى يوم عاد إلى بيتنا يومها جلس معها و مع أبي
و أعمامي .. لأقناعها بالعودة إليه .. كان نادماً على الطلاق !..
قلت لها إرجعي له .. كانت تبكي في حجرتها، طبطبت عليها ..
قالت لي زوجته الجديدة رافضة رجوعنا لا اريد تضييعه هو
و أطفاله، لكن زوجها كان مصراً على إعادتها ..
سألته لماذا ؟
قال لي لا يوجد مثلها .. كانت أهم من كل شيء لكن أنا كنت غبي عندما طلقتها .. أصرت على عدم العودة كنت بجوارها،
عندما تلقت اتصالاً من زوجته الثانية صارخة متوعدة أبعدي عنه، و ردت عمتي برفق حاضر !.. و أغلقت الخط..
كنتُ منفجراً ( لماذا لم تصرخي ) ؟ ..
قالت بدموع ( زوجة خائفه على زوجها )..
تدهورت الحالة النفسية لزوج عمتي ..حتى اضطرت زوجته إلى الاتصال بعمتي ترجوها العودة إليه .. كنت مندهشا !!
أعلم أن عمتي تحبه .. و عندما عادت إليه، ردت الحياة إلى نفسه، لكن المدهش ... هو أن كراهية زوجته لعمتي بدأت في الإزدياد مع تحريض أولادها ضد عمتي ..
لكن عمتي كانت تصبر و تحتضنهم .. تعلقوا بها أكثر من أمهم
ثم تعلقت بها زوجة زوجها، عمتي كانت توصيه خيراً بها ..
و كانت تقول لها .. إنت الودود الولود و أنا عاقر ..
عمتي قصة من الصبر و الإنسانية المكتملة .. اليوم بعد أن توفاها الله فجأة، أقف على دفنها و إلى جواري زوجها الباكي
و أبناؤه الثلاثة .. و أخي و أتذكر كلماتها .. الرفق جوهرة . .
لقد حُرِمَت عمتي الإنجاب و لكنها لم تحرم الرفق ..
و لم تحرم العاطفه .. كانت أماً من غير أطفال ..
لكل إنسان إنحرم من نعمة ما ممكن ترضى و تسعد بالذي معك .. كم طفلاً إنحرم من الحنان و من عطف أم كهذه ؟..
الحمد لله على حياة يرتبها الله وفق رحمته و حكمته ..
النفس الراضية نعمة ...
"تأدب في بلائك وتوجع بالحمد فأنت في حضرة قضاء الله وقدَره."
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
0 تعليقات
شاركونا بآرائكم وتعليقاتكم